ْالمُتَطَفِلَةُ على الكَلِمةِ واللون

النخلات تموت واقفة في شموخ الصمت

.لا تغويها جنون الكلمات أو ترانيم الألوان

two love birds

 

الأنهار غربتها طويلة

تتدلى من نحر الجبل

تسير.. تجري

تعدو مُقبِلة بتوق

أحياناً متمهلة بتؤدة

وأحياناً مُدبِرة ظهرها

 تختال.. تزهو.. تتألق

تصافح المساكين بشوق

النساء تغازلهن بحب

الأطفال تلاعبهم بفرح

تروي طين الحقول بدفء الماء

تسافر في طيات الفصول

تعبر كل المساحات الشائكه

.ترحل عندما تعانق رائحة البحر

 

الثمار أيضا رحلتها بعيدة

بذرة يحتضنها الوطن بحنان

تسقيها الشمس لبناً

تغذقها نوراً

تنمو.. تنضج

تستوي أحلامها على حبال الوجد

تغرم بالضفة البعيدة من البحر

العشب هناك أشد خضرة

تحزم أمتعتها للسفر

تسقط على التراب البارد

تلثمه عند الممات

تعطي روحها للآخر

تنمو بداخله

تغرق في أمواجه

.تتحد به عندما تغيب

 

الشلال يندفع بشدة

يرفع رأسه واقفاً بفخر

فيركع ويطيل الركوع

ثم يهوي ساجداً

جبلٌ شاهق هَدَّهُ العشق

يضعف

يهزل

يمرض

يشيخ

يصير شبحاً وتغزو قسماته الهزيمة

.يتلاشى حين تنخر قلبه سهام الشمس

 

أمَّا النار فامرأة ملتهبة لا تُقهر

يتصاعد دخان حبها إلى الأعلى

في دوائر كثيفة براقة

طرقات منحنية يراها العابرون

ليستدلون على جسر الأشواق النائمة

.في تفاصيل خرائط الهوى

 

الرياح تهب تُدّوي تئن تحن

تزفر في الجهات الأربعة

أينما توجهتَ فثمَّ وجه الريح الفاتن

جسورة حرة لا تُقيد

يشتد ساعدها

مجنونة في غليانها

تقطف العناقيد

تعصرها في كؤوس الزمن

تسكر.. تثمل

تنام بين الكروم

في كل ليلة تتسلل من النوافذ وتحت الوسائد

تسترق النظر إلى الأسرار المكتنزة في الغموض

ترى كل ما حولها 

من تجاعيد الأرق 

حتى بسمات البهجة

.ونشوة النصر

 

النوارس تطير محلقة

لا ترافق النسور أو الغربان

لا تأكل الطحالب

لا تشرب البحر

لا تهدأ

لا تنتظر

طيران محموم بلا توقف

تهوى الأمسيات المقمرة

رائحة الليمون في الربيع

صفرة الزعفران اللامعة

ماء الورد الصافي

تهبط وعيناها تناجي الغيوم

تلتقط سمك أضاع الطريق

على زبد المحيط

تتوهج من الأعماق

تحلق للأعلى إلى قمم الجبال

تضع أعشاشها فوق جبين النخيل

يتساقط ريشها الذهبي

ريشة ريشة

يمنح النساء الحرف والنغم

. أحلام قادمة لا تنطفأ

 

والنخلة قصة الأرض والتاريخ

الساكنة في محجر الضياء

التي تمنح الرطب والحياة

تغرد والبلابل

تطير والحمائم

تشرق والفجر

تغوي البحر 

يحتضنها في ألق متجدد

النخلة لا تعرف الوحدة

أو الغربة

لأنها وطن الغرباء

الأم لكل العيون الجائعة

ماء لكل الأرواح العطشى

قلبها يتسع للأفلاك

.حناء تخضب أيدي الحوريات 

 

أما أنا

فأنا

المتطفلة على الكلمة واللون

في رحلة العودة

إلى أول قصة حب لم تكن عابرة

إلى أول حرف أغواني لأكتبه

أول رسم أغراني لأقلده

أول لون خطته أنامل فرشاتي

أول همسة نخل في أذني

أول صفحة عبرتها إلى الطفولة

أنا نوارس النخل

عند نهر الشوق

في ثمرة التوق

هزتها الريح

فأشتعلت في شَعرِي

نار حروف مفقودة

وعلبة ألوان فارغة

سرقتها من عين الشمس

.رواية عشق في يوم ماطر تكتبني ولا أكتبها

 

النخلات تموت واقفة في شموخ الصمت

.لا يغويها جنون الكلمات أو ترانيم الألوان

 

١٠ اغسطس ٢٠١٥ م