المظلة الحمراء

!أف! أف! ستتبلل حقيبتي الثمينة وسيتسخ حذائي متى سيتوقف  

كانت السحب تدرّ المطر بغزارة غير مألوفة في مدينة ساحلية تحتضنها الصحراء من ثلاث جهات، وخلفها سار سائقها كظلها يحملُ المظلة يغطيها بها حتى تدخل المبنى ٢١ في الجامعة حيث تتلقى محاضراتها في تمام الساعة الثامنة صباحا، تسيرُ كسلحفاة محنية الرأس تُقلّب صفحات هاتفها المحمول غير مكترثة بالمطر الذي بلل السائق 

انزلقت قدم السائق بسبب برك صغيرة تجمعت أمام المدخل. ارتعشت يده الخمسينية المتغضنة فانحرف عن مسارها، وانقضت على وجهها رشقات من الماء فسال كحلها ولطخ خدودها فبدت كالبهلوان. التفت إليه غاضبة وتأففت. كادت أن توبخه كعادتها لكنها تلفتت حولها فالطالبات يلجن المبنى بمحاذاتها. سحبت المظلة منه بقوة وهو متشبث بها فأصابه طرفها المعدني بجرح غائر في يده. سارت مسرعةً ودخلت الباب بمظلة أحمرّ طرفها خجلاً مما شاهدته من سوء أدب  

امتزج قماش المظلة الأسود بقطرات من دمه الأحمر. تلطخت أصابعها فسارعت بمسحها بمنديلها الرطب المعطر بدون أن يرف لها جفن. نظرت لمرآتها وأصلحت العطب الذي أصاب مكياجها ومسحت كعبي حذائها. سارت بخيلاء تحدث نفسها وهي تبتسم: كم أنا جميلة كالمطر. راقبت المطر من النافذة التي وضعت المظلة النازفة بجوارها لتجف وهي تفكر بعمق أين ستذهب مع رفيقاتها للفطور في هذا الجو الممتع وماذا سيتناولن من أطباق شهية فسال لعابها وتحرقت لوقت انتهاء المحاضرة المملة التي ستقضي الوقت أثنائها في مشاهدة فيديوهاتها المفضلة وسماعها بسماعة تزرعها في أذنها خلف شعرها المصفف فلا تراها الإستاذة 

وقفَ صامتاً تحت المطر في مقابل المبنى ٢١، وتبللّ خديه بالدموع السائلة من قلبه النازف ينتظرها حتى تنتهي المحاضرة ليأخذها مع رفيقاتها للمقهى. شيء ما جعله ينظر لهاتفه. وصله تسجيل ابنته مُشرقاً فرحاً: بابا! بابا! لقد أخذت الممرضة مني تحليل دم وسكري طبيعي. امطرت دموعه بشدة عندما تذكر زوجته الراحلة بسبب داء السكري وحمد الله إن المطر والقهر جلبا له خيراً.   

كتابة ورسم: نجاة الشافعي 

يناير ٢٠٢٣م