Islamophobia on Social Media

The media play a crucial role in manufacturing Islamophobia. Nathan Lean (2012) names such process as the “Islamophobia industry” that manufactures the fear of Muslims in the U.S. and Europe, especially by the Right movement groups, the pro-Israeli right and other influential politicians and journalists. Lean (2012) points out, “The Islamophobia industry is a growing enterprise, one that is knowledgeable about the devastating effects of fear on society and willing to produce and exploit it” (p.218).

Read More

عَـرُوسُ الـقَمَر

 

عَـرُوسُ الـقَمَر

 عَـرُوسُ الـقَمَر

 

حلّ اليوم الموعود. قلبي يشدو منذ فتحتُ عينيّ. اِرتديتُ فستان زفافي.. نفس الفستان الذي لبسته أمي في عرسها. أردتُ شراء فستاناً حديث الطراز فعارضت جدتي بصرامة: حبيبتي!! فستان أمك ليس قماشاً بالياً وخيوطاً ذائبة، بل حكاية طويلة.. لكّل غرزة حكاية.. أتعرفين أن جدك ابتاع قماشه النفيس من القدس؟ أتعرفين أني قضيت أياماً شاقة أفصّل الفستان، أقصه ثم أطرّزه بدقة كما علمتني أمي غرزة غرزة؟

 

رَنَتْ ببصرها إلى ماكينة الخياطة السوداء ذات العلامة الذهبية. تهدجّ صوتها: أتعرفين أني بدأت خياطة فستان أمك حين بدأ أبوك في قطف الزيتون في شهر تشرين الأول، وانتهيتُ عند نهاية الموسم. لا زلتُ أتذّكر أنه كان موسماً خصباً أغدقت لنا فيه الأرض كنوزها.

 

نظرنا معاً لصورة والدي ذات الشريط الأسود فاعتصرنا القهر والألم. قبلّتُ جبينها، أجبتها محاولة التخفيف عنها: أعرف تيتا! سأرتديه طبعاً!! كنتُ أمزح معك.

 

كان الفستان ضيقاً عليّ لأني أسمنُ من أمي فتصارعتُ معه حتى تمكنت من إحكام أزراره. مَشَطّتْ أمي شعري ثم رفعته عالياً. حملتُ باقة الورد الجوري الأحمر الذي قطفته أختي من البستان. صفته بكل عناية، وربطته بشريط من الساتان الأخضر. قالت ضاحكة: كما في الأفلام الأجنبية أرمي الباقة صوبي ليحين دوري بعدك.

 

انتعلتُ حذائي الأبيض ذي الكعب العالي، وتأبطت حقيبة بيضاء لتكتمل أناقتي. نظرت إلى المرآة لأصلح هندامي فانبهرتُ من شِدّة بياضي.

 

اشرأبت أعناق السيدات والسادة في الحي حين رأوني في حلّة عرسي. تهامسوا، وسمعتهم: ليس الوقت وقت عرس وزفاف! استوقفتني جارتنا: الله! ما أجملكِ مثل القمر؛ لكن الوقت مازال مبكراً. أجبتها بلطف: أعرف يا خالتي! لكن الطريق طويل.

 

أمتدّ ذيل فستاني خلفي، كلما مشيتُ سَحَلَ كل ما في طريقه، جَرَفَ أحزان أشجار الخريف النازفة، نحيب الأقمار الآفلة، أنين النجوم الساقطة، وجرف وابل الأوجاع كلها انمحقت، وكساها البياض.

 

هبتّ عاصفة مباغتة، وكاد ذيلي أن يطير. جاءت طفلة حملت الذيل بكفيها الرقيقتين، ومشت خلفي: أنا وصيفتكِ!

 

سألتها: حبيبتي، ألن تتأخري عن المدرسة. لا! اليوم جمعة، المدارس مقفلة. ما اسمكِ؟! ما الذي يناسبني؟ ربما فرحة.. فرح؟ إذاً ناديني فرح! أمي أيضاً كانت تحبّ هذا الاسم.

 

أرهقنا المشي فجلسنا لنستريح في ظل نخلة. متى سنصل؟ سألتني فرح. أجبتها: أتعبتِ؟ أتحبين الحلوى؟ أخرجتُ بعض السكاكر من حقيبتي. أجلستُها في حضني. سرّحت شعرها الطويل بينما كانت تمضغ الحلوى. جدلّته ضفيرة طويلة رقصت عند خصرها النحيل، كانت جميلة مثل القمر.

 

أمسكتْ بيدي تتفحصها: الله! ما أجمل نقوش الحناء! عندي حناء عجنتها اليوم. مُدّي يدكِ أُحنِّيكِ. أنتِ وصيفتي! رسمتُ لها بيتاً، وبستاناً، وشجرة برتقال، وعصافير تغرد، وفراشات تحلق. الله! لم أعرف أنّكِ رسامة!

 

صعدنا التلة ثم هبطنا إلى الوادي. جلسنا على صخرة لنلتقط أنفاسنا. أخرجتُ من حقيبتي ماء لنشرب فقد أنهكنا العطش ثم نزعتُ حذائي الذي صهر أصابع قدميّ، وسرت حافية. سألتني فرح بفضول: لماذا لم يرافقك العريس؟ أجبتها: ينتظرنا في الحفل! 

 

مرت بنا مسافرة هَرِمَة تحمل حقيبة كبيرة. قالت: رأيت بياضاً فتبعتكما. الله! الله! أنتِ العروس؟ مثل القمر! نعم؛ لكني لم أراكِ من قبل! غمزت بطرفها لي: أنا من طرف العريس. وأطلقت سيلاً من الزغاريد من حنجرتها الذهبية فأهتز الوادي طرباً، ورقصت كل ذرة تراب.

 

عَدَونَا لكيلا نتأخر. حلقّت فوق رؤوسنا أسرابٌ من النوارس البيضاء، ظَلَلَتْنَا بأجنحتها الطويلة. لم أكن أسير، بل شعرت بخفة، كأنني أطير. فرح!! أتسمعين دق الدفوف! ضحكت فرح ضحكة مدوية فاقتربت عرائس البحر من الشاطئ. الله! الله! بزغ القمر! أخرجتُ ألواني لأرسم لوحتي الأخيرة: عروس القمر.

 

إلى الشهيدة هبة زغوت، رسامة فلسطينية. ارتقت مع ابنها في يوم الجمعة ١٣ أكتوبر ٢٠٢٣م.

إلى الشهيدة هبة زغوت، رسامة فلسطينية. ارتقت مع ابنها

في يوم الجمعة ١٣ أكتوبر ٢٠٢٣م.

صورة ولوحات الشهيدة هبة زغوت

العمل بالأسود والأبيض: نجاة الشافعي

Bride of the Moon by Najat Alshafie using charcoal and pencil on canvas.

أظافر دانتي

تعثروا بالأشلاء التائهة.. وهم يفّرون من جحيم دانتي.. أوقدوه لهم في وسط المستشفى.. يفّرون من جحيم إلى جحيم آخر ينتظرهم خارجه..

شاهدتهم ليلاً في القنوات التلفزيونية، بكت واِكتأبت. ثم ذهبت في اليوم التالي إلى صالون التجميل، قلّمت أظافرها أخصائية المينيكير، شذّبتها، طلتها ثم مَسَدَّت قدميها بزيت البنفسج.

انبرت قائلة وهي مستلقية على الأريكة، تهفّ الطلاء ليجف: طَخّت الريحه الحلوه في راسي.

كان البث حياً (للفاشينيستا) على (السنابشات) للترويج للصالون الجديد.

قصة أحداثها واقعية

حُرِّرَّت في ١٨ اكتوبر ٢٠٢٣م، يوم ما بعد مجزرة المستشفى المعمداني في غزة

كتابة ورسم
نجاة الشافعي

الناجي الوحيد

النَاجِي الوحيد

في تمام السادسة صباحاً سارعتْ ذات القدمين الدافئتين لارتداء النِعَال العتيق الذي ورثته من والدتها. ذهبتْ إلى الخبّاز، ووقفتْ كالعادة تنتظر دورها في طابور تتدحرج فيه أحاديثٌ ألِفوها عن القصف الشرس والغارات المتواصلة والحصار الغادر، وعن انقطاع الكهرباء وندرة الماء، والغذاء، والدواء، وعرجّت الأحاديث المترعة بالشجن إلى تعداد أسماء العائلات التي حُصِدَت من السجل المدني في غضون ساعات. عادتْ للمنزل مثقلة بالهموم، فقط ثلاث أرغفة من الخبز سيقتسمونها حتى صباح اليوم التالي، ونزعتْ النعال لتعّد الفطور في المطبخ.

استيقظ في السادسة والنصف صباحاً ذا القدمين الباردتين، ولبس النعال مهرولاً نحو الباب. ذهبتْ لتوقظه فكان فراشه بارداً مثل قدميه. حسبته في الحمام فعادت للمطبخ. لم يجد سجائراً في السوق فعاد لاهثاً يحمل ربع بطيخة مفلوقة، ذات غلاف لامع أخضر، وجوف شهي أحمر، وترك النعال المـُـنهك عند الباب.

لبستاه قدمان سريعتي الإيقاع، وغاصتا فيه. كانتا قلقتين، فقد أوشكت باقة الانترنت على النفاد. فتحتا الباب وخرجتا لتبحثا عن طوقاً للتواصل مع من تبقى من أصدقائه؛ لكنهما عادتا حانقتان فلم تجدا ما تبحثان عنه؛ فلقد نفدت باقات الاتصال بالعالم الخارجي. خَلَعَ فردتي النعال المكتئب، وألقى به عند باب الحمام.

أمسكت بهما يد بريئة. تخيلتهما طائرتين نفاثتين تحلقان في السماء. دمدمت ضاحكة وهي تلعب فتحلقت حولها الأقدام الأخرى مبتهجة. فجأة انقلب عاليها سافلها، وأمطِروا بحجارة من سجيل. سقط النعال اليتيم تنزِف منه أحلامٌ بيضاء: أرغفة خبز وعلبة سجائر وباقة انترنت ولعبة طفل.

نجاة الشافعي

The artwork is mixed media on paper using water colors, wax and matches.

نجاة الشافعي

٢٥ أكتوبر ٢٠٢٣م

Students’ Needs in ESP Course

An increasing number of Saudi universities implement English for specific purposes (ESP) programs for students who will specialize in different fields such as, medicine, science, engineering and business. Universities rarely conduct studies of the actual needs of students to design or develop the ESP courses. Administrators and/or senior professors usually design ESP courses according to what they feel the students need and do not take into consideration perspectives of students, teachers and other stakeholders like potential employers.

Read More

Glued Eyes

I glued my eyes

not to see you my beloved

A phantom of a woman with crimson hands

Departing at sunset.

   

I cannot see all the destruction that ripped your beautiful body

I cannot stand the abolishing of mosques and weeping churches

I cannot hear your loud sighs

I cannot touch your broken heart

I cannot feel your fading pulse

I cannot weep anymore

I am frozen in the moment of departure

You and only you in my glued eyes.

 

I will dream of you every night

But with holes, a lot of holes in your face

Holes where the lost ones once been

My tears still burning my soul

Dead souls walking on the flaming sands.

 

I know my footprints will be haunting me

Until I step on them again

I shall return with more palm trees in my hands

And bird seeds to revive all the hungry dead pigeons

I shall behold your dreams my beloved

I will drown them in the bottom of my heart

Then wear a mask of silence

before the craws creep in and steal them from me.

 

Forever you are a baby in my arms

I sing you love stories

when you wake up

when we are indulged in the river of passion

All guilty and sinned

seeking forbidden dreams.

  Art work by Heba Zagout

 Poem written by Najat Alshafie in honour of Heba Zagout, the 39-year-old Palestinian artist who was killed with two of her children, Adam and Mahmoud, by Israelis in an air strike in October 2023.

https://www.theguardian.com/world/2023/nov/13/a-painter-a-poet-a-novelist-the-artists-being-killed-in-gaza

https://www.gqmiddleeast.com/culture/heba-zagout-artist-peace-in-gaza


 

لوحة

ولدتُ بالشجن

رفيقي الشفيف

شجني جمرات متقدة

مراثي العشق

وموانئ الانتظار

بدأت أطير منذ كنت طفلة

بأجنحة وبدونها

ما زلت أطير

.أتشبث كالأمل بريشة حمامة

في مدينة جديدة تتدثر برائحة البحر

التقينا بين صفحات كراسة عتيقة

ضمتنا بحور الشرق والغرب

تصبّ أنهار الألوان في المحبرة

.مِدادُ الحلم طين لا ينفد

اللوحة سنرسمها

سرنا المختوم

طريقة صوفية

تطوف بين عينيها

تلبي باسمها

.في حرم المدينة الأزلية

 

كلما ضربت بفرشاتك

وقعت امرأة في شباك لوحاتك

وأنتَ تستلّ حزنهن من دموعهن

ترسم بهجتهن بالأحمر

.تتوحد بهن في النور

 

لم أفهم لغة الحب يوماً

أو تباريح الغرام

لأني طفلة

تضحك وتلعب

تسير وتتعب

.طفولتها لا تنضب

 

سرّ العاشق

تبوح به رعشة اللون

في القلب يتوهج

الرسم والرسام

الفنان والدّهان

هل نحن من نَرْسُم أم نُرْسَم؟

لوحة في حلّة فستان باذخ

تتنفس بالألوان

تبرز مسامها كالسهام

تفصح عن دقائق تفاصيلها

بياضاً مترعاً بالبهجة

إياك ثم إياك

.أن ترسم امرأة بالرصاص

 

المرأةُ سِفْرُ الوجود

والرجلُ امرأة أخرى

الألفة لاصق غير مرئي

المودة لا تشتعل ولا تخمد

.الحب لا تجده إلاّ عند الخابية

 

في نهاية كل طريق

نَصِلُ للبدايات الأولى

لا نعرف سوى طعم الكرز

وبلبلٌ يشدو في القلب

أثمَّ سيرٌ ومَسِير؟

وردة بأي اسم آخر”

“.ستكون رائحتها جميلة

كتابة ورسم

نجاة الشافعي

٢٥ نوفمبر ٢٠٢٣ م

الاقتباس من مسرحية روميو وجولييت لشكسبير 

 

 

السير يصنع الطريق

حور الممشى

السير يصنع الطريق

اليوم كان مختلفاً جداً. أثناء سيرنا ناجتنا الغيمات الكالحة السواد فأنصتنا لها. أخبرتنا عن الشجن الأزلي في العالم، الصغار الذين تسرق أحلامهم فيكبرون أيتام الأمهات والأمل، الشيوخ الذين يهرمون بدون أبناء، المنفيون عن الأوطان، المحرمون من الفرح، البيوت التي بدون سقوف، الأسوار العالية، وتفجرت الغيمات أسىً فسالت مدامعها. واصلنا سيرنا في الممشى، تحت المطر. عندما وصلنا إلى ٥٠٠ متر خاطبته بصوت ماطر:

- أشعر إني غريقة.

- المطر ذكركِ بالغرق؟ ليس غزيراً!

- منذ قرأت تغريبة القافر، شعرت بأني الغريقة نفسها، أضع رأسي في الماء لينطفئ الوجع ولا ينطفئ . حاولت بكافة الوسائل ولم تنجع، أصابني اليأس فرأسي دائماً ثقيلة كالجبل.

- لم أقرأها الرواية بعد. دورها قادم، لكن الوجع جزء من الحياة ربما يدفعنا لأن نكون حالمين نأمل في يوم جميل مثل هذا اليوم الماطر.

- بالمناسبة، هل أنتَ من أنصار الرواية أو القصة؟

- أحب القصص قصيرة أم طويلة. القصة القصيرة زاوية في شارع طويل، والرواية هي شارع طويل ببشره وبناياته وتفرعاته، بكافة تفاصيله الدقيقة..

- إذاً الممشى رواية.

- روايتنا نحن، نحن نكتب فصولها.

- كل شيء يمضي.. كل شيء يبقى..

ولكن قدرنا أن نمضي..

نشق طُرُقا،

طُرُقاً فوق الماء..

أيها السائر،

الطريق آثار خطواتك،

ولا شيء بعد..

أيها السائر ليس ثمة طريق..

السير يصنع الطريق..

- مؤثرة، من قالها؟

- الشاعر الأسباني ماتشادو الذي يشبه السياب في رقته وتوجعه وغربته.

- ومن لا يعرف السياب!

هل تأملت فيما يعني ماتشادو؟

- مؤثر! السير يصنع الطريق.

- الطريق ليس موجوداً قبل أن نسير أو بعد أن نسير.

-أعجبني ما قاله "طُرقاً فوق الماء"

- سيرًا تشّق الطرق..

وحين تنظر للوراء..

يتراءى الطريق..

الذي لن تعود لتسيره مطلقًا..

أيها السائر

ليس ثمة طريق..

بل علامات على سطح الماء..

بل علامات على سطح الماء..

بل علامات على سطح الماء..

- أتدري الطريق لن يكون موجوداً بعد أن نسير.

أتدري، لا أحب زوال الشمس!

- لكننا في العصر ستغرب الشمس لتظهر من جديد في اليوم التالي.

- أكره زوالها في منتصف النهار حين تختفي الظلال وكأنه لا يوجد عالم سوى صمت مطبق. لا ظلال أي لا حياة.

أجهشتُ بالبكاء فمد لي منديله المفعم برائحة الليمون. حاول أن يلطف الجو الذي تعكر:

- على فكرة، يعجبني عزيزتي ما تنسجيه من قصص.

- كيف تحبها وأنت تفكك أوصالها، وتقوضّ كل ما أبنيه إلى أشلاء.

- أدلك على طريق الخلاص. النقد لغةٌ لا يفهما الكل، لغة بها الكثير من الحب لهدم المألوف، وبناء الأجمل.

- إذاً، كان النقد فخاً سقطتُ فيه بملء إرادتي.

- إنما بوتقة ينصهر فيها الفحم ليخرج الماس.

أطرق ثم رفع رأسه:

- سؤال إن سمحتي. هل دعوتِ غيري للممشى؟

- لِمَ تسأل؟ الحقيقة ثقيلة. هل ستجيب إن سألتكَ نفس السؤال؟!

- نعم و لا. نحن مثل النصوص بعضها جلي كعين الشمس وبعضها مرمز ونصوص أخرى تتقاطع مع الأولى والثانية لكن نسعى لأن نقرأ الآخرين.

أيها أنت؟

أنا نص مفتوح على مصراعيه

لذت بالصمت أتحدث مع نفسي: يا ترى أي بحور جابها وأي شواطئ رست سفينته على أعتابها، كم حقائب سافر بها، وكم أحذية سارت معه وكم قميص نزعها عن جسده، كم كتب أهملها حتى كساها الغبار؟

قطع أفكاري :

- أرجو المعذرة.. أسأل لأعرف متى.. وأين.. وكيف أسير. ومتى أصل. إن شئتِ ألا تجيبي.

- سؤال واحد فقط في كل مرة. الآخرون ليسوا مثلك سقطوا في الامتحان.

- امتحان؟

- قراءة الشعر. من يتريض معي فليحسن قراءة الشعر قلباً وقالبًا.

ضربة بعد ضربة،

بيت شعر بعد بيت..

عندما لم يعد العصفور قادرًا على التغريد..

عندما أصبح الشاعر حاجًا..

عندما لم تعد تجدي صلواتنا..

أيها السائر ليس ثمة طريق..

السير يصنع الطريق..

ضربة بعد ضربة،

بيت شعر بعد بيت…

- هذا ماتشادو؟

- هو وأنا الطريق.

نص ورسم

نجاة الشافعي

اكتوبر ٢٠٢٣م

مبروكة

حوار في الممشى

بركة

 

سرنا نتريض في الممشى ثم انبرى قائلاً:

 

- اِنظري للغيوم السمراء، يمكِن أن تمطر.  

 

- لم تخبرني "النخلة المائلة" بذلك.

 

سكت طويلاً كمن أصابه الخرس. أول مرة أخبرته عن كلامي مع النخلة المائلة حاول أن يقنعني أنها خيالات جامحة، ثم وعندما أحس بغضبي إن أنكر ذلك صار يجاريني.

 

- ماذا تحبين أن نسمي صديقتكِ النخلة؟

 

- سوف اسألها، يمكن لا ترغب أن نطلق عليها اِسماً سوى "النخلة المائلة". أتعلم أن النخل جدي.

 

- هل أنت من عائلة النخل؟! ألا يكفي إنك تتحدثي إليها!

 

- في الواقع إن جدي كانت لديه نخلتان في الحوش العتيق. واحدة تثمر ذهباً أصفراً والأخرى ياقوتاً أحمراً.

 

- جميل. لم يكن لدينا نخل لكن أمي فنانة نخل. تلون سعف النخل وتسفه فتصنع منه السلال والمهفات وسفر للطعام. وتبيعها بسعر زهيد. عندما توفت وضعنا سعفها وألوانها معها كما أوصت، اندثرت مهنتها لكن الكبار في الحي ما زالوا يذكرون أمي "بنت السعف" كما كانوا يسمونها.

 

- ونشأت أرى النخلتان الممشوقتان أمامي وألعب معهما ورفيقاتي. نعقد من خلال النخل عقوداً نزين بها أعناقنا وأيدينا. نلتقط الرطب عندما يسقط خلسة عن جدي.

 

- ما الذي حدث لهما، أما زالتا على قيد الحياة؟

 

- للأسف، توفي جدي، وأهملت النخلتان، وبقيتا كشبحين لا تثمران. ثم بيع بيت جدي لغريب استوطن الحي.

 

- هذا مؤلم.. فراق الأحبة.

 

- أسمِعتَ عن نخلة اسمها "مبروكة"؟

 

- نخلتنا؟ مبروكة؟

 

- لا "مبروكة" هي نخلة ضاربة بجذورها في تخوم أرض فلسطين. وعندما عاد يوسف العلي من المنفى في سن الستين لم يجد إلا مبروكة واقفة في استقباله، والمكان خراب فقام يحكي لها كل ذكرياته عن المكان الذي تقف فيه النخلة وأهله الذين عاشوا في ظلها، وحكى لها عن حبيبته فاطمة بنت جيرانهم التي كان يخبأ لها الرسائل في جذعها. وكان متفجعاً عندما عرف أن فاطمة قضت نحبها في مخيم عين الحلوة للاجئين. كانت النخلة مبروكة تغني معه وتبادله الحديث مثل نخلتنا.

 

- موجع أن تعود للمكان الذي تعشقه، وتراه قد ذاب. مبروكة مثل نخلتكِ تتحدث! أسمعتِ عن نخلتي جبير؟

 

- نخلتي جبير؟!

 

- جبير المليحان، كاتب مدمن للنخل، كانت لديه في قصته "النخلة"، نخلة سعفها كأنه جدائل بناته؛ لكن جاء مغتصبو الأوطان فقلعوها من جذورها، والنخلة الأخرى "أم اليتامى" في قصة "شغاف النخل" أقتلعها صاحبها بنفسه ليقوم أود أبنائه لذلك أقام لها جنازة وصنع لها قبراً ولفها بشماغه الأحمر.

 

- هذا مؤلم أن تُسرق نخلتك جهاراً نهاراً أو أن تنحر حبيبتك النخلة بيديك؛ لكن نخلتنا لا يشبهها أحد.

 

- أتغارين من النخل الآخر؟!

 

- ليس غيرة فقط، بل هوساً.  

 

- أنا أحب النخل؛ لكن لم تتحدث معي نخلة إلى الآن، وصديقتكِ المائلة التي لم تسميها بعد تتحدث إليكِ فقط.

 

- لا تقلق. أنا سأشد حبل الوصل بينكما.

 

- هل أخبرتِ النخلة المائلة عني؟

 

- كل مرة أعبر بها، أقف، أعانقها وأحكي لها عنك. النخل يحتاج أن نغديه ويغدينا بالعاطفة.

 

- هل نخلتكِ تعشق الشعر مثلك؟

 

- بل هي من علمتني الشعر.

 

أطرقتُ برأسي برهة أسدد نظراتي للنخلة المائلة وأناجيها بدون أن يسمعني: لن أبوح له بسر النخيل!

 

- مظفر النواب قال: النخلة أرض عربية.

 

- فقط عربية؟!

 

- ورمز إنساني، النخلة امرأة ووطن.

 

- النخلة وطن. من لديه نخلة لديه وطن.  أتعلم إني أشعر بأن النخل يتحدث مع بعضه؟

 

- كيف؟

 

- من خلال السعف له صوت هسهسة خاصة، لغة خاصة بها تتواصل فيما بينها.

 

- هل تعلمت هذه اللغة؟

 

- علمتني النخلة المائلة قليلاً منها وما زال أمامي الكثير لأتعلمه؛ لكن للنخل أسرار.

 

شعرت بأني شهرزاد وهو شهريار، وقد حان وقت المغادرة فسكّتُ عن الكلام المباح. 

 

رسم وكتابة: نجاة الشافعي