الناجي الوحيد

النَاجِي الوحيد

في تمام السادسة صباحاً سارعتْ ذات القدمين الدافئتين لارتداء النِعَال العتيق الذي ورثته من والدتها. ذهبتْ إلى الخبّاز، ووقفتْ كالعادة تنتظر دورها في طابور تتدحرج فيه أحاديثٌ ألِفوها عن القصف الشرس والغارات المتواصلة والحصار الغادر، وعن انقطاع الكهرباء وندرة الماء، والغذاء، والدواء، وعرجّت الأحاديث المترعة بالشجن إلى تعداد أسماء العائلات التي حُصِدَت من السجل المدني في غضون ساعات. عادتْ للمنزل مثقلة بالهموم، فقط ثلاث أرغفة من الخبز سيقتسمونها حتى صباح اليوم التالي، ونزعتْ النعال لتعّد الفطور في المطبخ.

استيقظ في السادسة والنصف صباحاً ذا القدمين الباردتين، ولبس النعال مهرولاً نحو الباب. ذهبتْ لتوقظه فكان فراشه بارداً مثل قدميه. حسبته في الحمام فعادت للمطبخ. لم يجد سجائراً في السوق فعاد لاهثاً يحمل ربع بطيخة مفلوقة، ذات غلاف لامع أخضر، وجوف شهي أحمر، وترك النعال المـُـنهك عند الباب.

لبستاه قدمان سريعتي الإيقاع، وغاصتا فيه. كانتا قلقتين، فقد أوشكت باقة الانترنت على النفاد. فتحتا الباب وخرجتا لتبحثا عن طوقاً للتواصل مع من تبقى من أصدقائه؛ لكنهما عادتا حانقتان فلم تجدا ما تبحثان عنه؛ فلقد نفدت باقات الاتصال بالعالم الخارجي. خَلَعَ فردتي النعال المكتئب، وألقى به عند باب الحمام.

أمسكت بهما يد بريئة. تخيلتهما طائرتين نفاثتين تحلقان في السماء. دمدمت ضاحكة وهي تلعب فتحلقت حولها الأقدام الأخرى مبتهجة. فجأة انقلب عاليها سافلها، وأمطِروا بحجارة من سجيل. سقط النعال اليتيم تنزِف منه أحلامٌ بيضاء: أرغفة خبز وعلبة سجائر وباقة انترنت ولعبة طفل.

نجاة الشافعي

The artwork is mixed media on paper using water colors, wax and matches.

نجاة الشافعي

٢٥ أكتوبر ٢٠٢٣م