لا نَمُلّ في غزة

 

في غزة نسير بين الحطام، نودع قوافل الراحلين، نصطلي بجمر الفراق، نحمل لفائف أكفاننا، نكتب أسماؤنا على أجسادنا، وننتظر دورنا على أحرّ من الجمر.

 

بحث ابني عن نملة يطعمها فتات الخبز. أحبّ النمل منذ كان لديه مشروع العلوم في الأول الابتدائي. خاطبته: ابني ليس لدينا خبز كاف وأنت تطعم النمل. ماما منذ يومين لست أجد نملاً، ربما أختنق بسبب التراب الأبيض أو أنه سافر. ونحن متى سنسافر؟ قلتي لي سنسافر قريباً، وكتبتي اسمي على ذراعي وساقي وصدري وظهري وجبيني وفوق كل شبر من جسدي حتى لا أضيع في المطارات. أجبته: قريبا! ننتظر الأذن بالعبور. حين يصلنا سنسافر فوراً.

 

بدأ ككل مرة يحدثني عن النمل نفس الكلام لا يَمَلّ منه. النمل مخلوق عجيب متعاون ومثابر، هناك ١٢٠٠٠ نوع مختلف من النمل. يبني مستعمرات ويزرع مثل الإنسان وله ملكة. عندما تموت الملكة، تموت بقية المستعمرة بعد بضعة أشهر. مثلكِ ماما. أنت ملكة المنزل منذ سافر أبي. تأمرين وتنهين وتحضرين كل ما نحتاجه من أغراض للمنزل

 

قرقعت ضحكتي في أجواء السكون المطبق ما بين الغارات، الصمت المريب الذي يشي بالمزيد من القصف والدمار.

 

كنا نجلس مختبئين تحت الطاولة ونتبادل الحديث. رميت بجسدي عليه عندما سمعت صوت انفجار هزّ العمارة فاستحالت رماداً.

 

سافرتْ أمي قبلي. وأنا سأسافر بعدها. أجهشتُ بالبكاء، ورسمتُ على ذراعها نملاً، وكتبتُ: أمي الشهيدة ملكة النمل.

 

كتابة ورسم: نجاة الشافعي

٣٠ أكتوبر ٢٠٢٣م