ماراثون العيد

.حمى أصابت جوالي فأصبح ينتفض بلا إنقطاع

.سيل لا ينتهي من التهاني بالعيد

. أنا لا أجيد الركض في ماراثون العيد

:ماذا أرد عليهم؟ أأقول الحقيقة

“!أن العيد لم يأتي بعد”

:أو أتحداهم وأقول

“!دلوني علي قميصه إن أستطعتم”

.جبنتُ عن تحدي القطيع

:أرسلتُ لهم

“!عيدكم مبارك. تصبحون على خير”

٢٤ اكتوبر ٢٠٠٦م 

ثاني أيام عيد الفطر السعيد

رسم نجاة الشافعي

رسم نجاة الشافعي

الضوء في آخر النفق

 1

سارا في النفق المعتم يتخبطان كانا وحيدان جداً توقفا برهة لإلتقاط أنفاسهما

قال: هل ترين ضوءا في آخر النفق؟

قالت: لا أرى شيئاً!

قال: تمعني جيدا لتريه!

قالت: ما زلت لا أرى شيئاً!!

قال: أرتدي نظارتك لتريه!!

قالت: لا فائدة لا أرى شيئاً!!!

قال: جربي أن تغمضي عينيك لعلك تريه!!!

قالت: أجل أجل لقد رأيته الآن، أراه بوضوح!!!!

وانطلقا يمشيان في النفق هو يمسك بيدها وهي تدله على الطريق، وشيئاً فشيئاً أتسعت دائرة الضوء التي تحيط بهما ثم غمرهما تدفق نوراني هائل.

كنت أغادر المنزل أحياناً عند العصر إما لشراء الآيس كريم من أبو أحمد في محل البقالة الصغيرة المقابل لبيتنا أو لزيارة بيت الجيران للعب مع صديقتي وديعة وكنت في بعض الأحيان أرى امرأة تلتحف بعبائتها السوداء وتسدل الغطاء على وجهها وتمسك بيد رجل عجوز أعمى متكأ على عكازه الخشبي عيناه بهما بياض شاسع غطى على السواد، تسير مهرولة به وقامته تتهادى للأمام والخلف ثم تقطع الشارع العام حتى تختفي عن ناظري. كنت أشاهد هذا المنظر فأتأثر بشدة وأكاد أبكي في داخلي لوفاء تلك المرأة النادر وتضحيتها واتسأل في قرارة نفسي من تكون تلك المرأة؟ هل هي أبنته أم أخته أم زوجته ؟ لماذا تسير بعجلة؟ وإلى أين تقوده؟ وتكرر ذلك المنظر في طفولتي المبكرة ورسخ في ذاكرتي كصورة من صور التضحية والوفاء والآن عندما أسترجع ذلك المشهد يراودني سؤال ملح: لو كانت تلك المرأة هي العمياء هل سيقودها ذلك الرجل سواء كان أبوها أو أخوها أو زوجها ؟ لكن كنت أستعيذ بعدها من الشيطان لأن لو تفتح باباً للشيطان.

3

حدثتني عمتي قبل عدة سنوات ليست بالقليلة عن زوج جدتي لأبي الذي تزوج امرأة عمياء كان هو رجل طاعن في السن وكانت هي شابة في أواخر العشرينات لم يتقدم أحد لخطبتها لأنها ولدت من بطن أمها وهي عمياء لذلك لم تفتقد العالم الخارجي لأنها منذ صغرها كانت تعيش في عالم آخر نسجته بنفسها وسنين عمرها الغض سكب عليها نفط أسود غليظ فالتصقت ببعضها البعض فلم تعد تميز بين واحدة وأخرى عمتي تقول أنه بعد زواجهما بدت الفتاة سعيدة وكانت تقوم بحقوقها وواجباتها الزوجية على أتم وجه تطبخ وتكنس وتغسل الملابس وتعتني بزوجها لكن لا تخرج من البيت على الإطلاق وحتى زوجها أقعده المرض وظل حبيس الفراش حتى توفي لكن تتوقف عن ذاك الحد لأنها لا تعلم عن المرأة شيئا بعد ذلك سوى أن أهلها جاءوا وأعادوها لعالمها ثانية.

4

من أفضل ألعابي وأحبها إلى نفسي عندما كنت طفلة صغيرة كان أن أغمض كلتا عينيي بقوة ثم أضغط على جفنيي بأصبعي السبابة والإبهام فأرى أشكالا وزخارفا وألوانا عديدة، في البدء تتداخل الصور فيما بينها فلا أميزها كشعور من يلج نفقاً معتماً بعد أن كان في الضوء الساطع، ثم تتضح الرؤية أمامي شيئا فشيئا بعد أن تعتاد عيناي على الظلام فتغمرني السعادة للصور الزاهية التي أراها، أرى سماء واسعة وطيورا وفراشات أحلق معها، وأرى قصورا ضخمة واحدا منها لي وحدي أتجول في غرفة الواسعة ثم أصل لغرفتي التي تحوي أثاث فخم لم يره أحد من قبل وسريري مفروش بريش النعام لأتزحلق عليه وأنام أيضا وخزانات ملابسي ضخمة بحجم المحلات التي في الأسواق وبها ملابس على أحدث الموضات العالمية وتتوسط الغرفة مرآة كبيرة مرصعة حوافها بالذهب ولدي من الحلي جميلة ذهب وفضة وألماس ومجوهرات ما لا يعد ولا يحصى وفي الركن ثلاجة كبيرة أو حتى بقالة صغيرة كبقالة أبو أحمد بها كل ما تشتهيه نفسي من شوكولاته وحلويات وكعك وأيس كريم ومكسرات وعصيرات ومشروبات غازية، وأرى فارساً شهماً على حصان أبيض يختطفني بين ذراعيه ويقيم لي حفل زواج أسطوري كزواج ديانا سبنسر أو حتى أفضل منه فتعم الاحتفالات أرجاء المملكة وتمد الولائم عشرة أيام بلياليها لعامة الشعب، وأرى أني أصبحت سيدة منزل أنيقة لي أبنتان وولدان مطيعان أدير مؤسستي الخاصة وأسافر في كل شهر لعقد الصفقات مع كبار المؤسسات في الخارج لكن سرعان ما تنتشلني من أحلامي الوردية كلمات أمي السوداء وهي تناديني بأعلى صوتها: “هيا تعالي بسرعة! هل أنت عمياء! ألا ترين شيئا لقد أتسخت ملابس أخاك بالحليب! تعالي أمسكي بالزجاجة وأسقيه الحليب هو لا يجيد إمساكها لوحده، هيا أسرعي إنه ما زال يبكي جائعاً! وبعد أن تنتهين من إطعامه خذيه للحمام!

 

 4/10/2006

هبني عدت ثانية

هل ستعود صورتي التي جفت للنهر

تروي عطشها من عبق المرآة

بين وسادة أدمنت الليل

وغريزة ضلت طريقها

تستبيح ما خلف الأسوار؟

 

هل ستهمس كعادتك بجنون لضفائري

وعرقي يتفصد مطراً حامضاً

بين أغطية وأدت تبلد المساء؟

 

تلك النافذة الوحيدة

التي شهدت ولادتي سراً

هل سيغسل المطر وجهها الصقيل

تهز مفاصلها أجنحة الهواء الطويلة

تستفزها لتلحق بها؟

 

حتى أسنان مشطك

الذي تعلقت بأهدابه

رائحة شعري المعتقة

هل ستراوده روح اللمس

توق لعناق محموم؟

 

ذاك النرجس

الذي سكبنا عطره في خزانة ثيابك

هل سيزهر بعدما أنام؟

 

حواف المنضدة الخطرة

هل ستباغتك

مع إطلالة الصورة الأولى

على كؤوس تلظت شوقاً

لشفاه تعتق السكر على ضفتيها

وظلال ترتجف ولها

كلما هبت تباريح الذكريات؟

 

هل ستطبق شمعتنا الحمراء أجفانها

تذوب عناقيدها في قبضة الظلام الثقيلة

بينما حبات العقيق الأرجوانية

تداعب عنقي الأملس

فتتوهج الزجاجة بعد قليل؟

 

هبني عدت ثانية

هل ستعود صوري التي جفت للنهر

تروي عطشها من عبق المرآة

بين ضلوع ما عادت تتمدد

وهواجس عاثت في قفص ذهبي

تقتات رحيق السهر؟

 

30/9/2006

النار

النار                    شعر: جوي هارغو                      ترجمة: نجاة الشافعي

المرأة لا تستطيع أن تناضل
بتنفسها
فقط
يجب أن تعرف
أصوات الجبال
يجب أن تميز
أبدية السماء الزرقاء
يجب أن تتدفق
مع الأجساد المتملصة
للرياح الليلية
.التي ستأخذها إلى نفسها

 

أنظر إليّ
أنا لست امرأة منفصلة
أنا الديمومة
للسماء الزرقاء
أنا الحنجرة
للجبال
امرأة الريح الليلية
التي تحترق
في كل نفس
.تأخذه

أنا اِمْرَأةٌ خَطِيرَة

 أنا امرأةٌ خطيرة                 شعر: جوي هارغو                          ترجمة: نجاة الشافعي

 

الأضلاع الحادة للنوافذ الزرقاء الصافية
حركة بالنسبة لي
من الطابق الثاني للمطار
ترقص الحواف في أطراف وادي الساندياز
خلف حراس الأمن
.الذين لوحوا لي بدخول جهاز اصطياد المسدسات

.أنا امرأة خطيرة

عندما رن الجهاز قالوا
أن أنزع حزامي
وخلعته بسهولة فائقة
فلمحني رجل واقف بقربي
ربما هذا هو السلاح المميت
.الذي جعل الجهاز يغني

،أنا امرأة خطيرة

لكن السلاح غير مرئي
الأمن لن يجدونه أبداً
لا يستطيعون أن يسمعوا صوت طقطقة
.المسدس داخل رأسي

 

 

ْكانَ لديها بَُعض الجِيَاد

ترجمة: نجاة الشافعي      Joy Harjo     كان لديها بعض الجياد*                               للشاعرة الهندية الأمريكية: جوي هارجو
 

.كان لديها بعض الجياد

كان لديها جياد ذات أجساد من رمل
كان لديها جياد خرائط مرسومة من دم
كان لديها جياد جلودها مياه محيط
كان لديها جياد كهواء أزرق لسماء
كان لديها جياد من فرو وأسنان
كان لديها جياد من طين وقد تنكسر
كان لديها جياد شظايا جرف أحمر

.كان لديها بعض الجياد

كان لديها جياد بعيون القطارات
كان لديها جياد بأفخاذ بنية ممتلئة
كان لديها جياد ضحكت كثيراً
كان لديها جياد قذفت حجارة على بيوت زجاجية
كان لديها جياد لعقت شفرات حلاقة

.كان لديها بعض الجياد

كان لديها جياد رقصت بين أذرع أمهاتها
كان لديها جياد حسبت نفسها الشمس وأضاءت أجسادها واحترقت مثل نجوم
كان لديها جياد رقصت الفالس ليلاً على القمر
كان لديها جياد شديدة الخجل واحتفظت بصمتها في إسطبلات من صنعها

.كان لديها بعض الجياد

"كان لديها جياد أحبت أغاني "رقص الستومب للكريك
كان لديها جياد بكت في شراب البيرة
كان لديها جياد بصقت على ملكات الذكور اللاتي جعلنهم يخافون من أنفسهم
كان لديها جياد قالت أنها لا تخاف
كان لديها جياد كذبت
كان لديها جياد قالت الحقيقة فنزعت ألسنتها

.كان لديها بعض الجياد

"كان لديها جياد أسمت أنفسها "جواداً
كان لديها جياد أسمت أنفسها " روحاً" واحتفظت بأصواتها سراً ولأنفسها
كان لديها جياد لم تكن لها أسماء
كان لديها جياد لها كتب من الأسماء

.كان لديها بعض الجياد

كان لديها جياد همست في الظلام خائفة أن تتكلم
كان لديها جياد صرخت خوفاً من الصمت حملت سكاكين لتحمي أنفسها من الأشباح
كان لديها جياد انتظرت الفناء
كان لديها جياد انتظرت البعث

كان لديها بعض الجياد
كان لديها جياد انتظرت أي منقذ
كان لديها جياد حسبت أن سعرها المرتفع أنقذها
كان لديها جياد حاولت أن تنقذها تسلقت فراشها ليلاً وصلت وهي تغتصبها

كان لديها بعض الجياد

كان لديها بعض الجياد التي أحبتها
كان لديها بعض الجياد التي كرهتها

.أنها نفس الجياد

المصدر
How We Became Human: New and Selected Poems, 2002, W. W. Norton

متى تأتين؟

تأتين في كافة المواسم

عندما يفيض النيل إشراقا

يكتمل القمر في جوف السماء

عندها ينتصف الربيع ألقا

.يشتد السمر في رابعة السماء

 

عندما تأتين

يرتد وتر كيوبتس إلى نحري

مضرجا بأحمر شفتيك

يغمرني شوقاً هائلاً

.يلثمني قبلة أبدية

 

في موسم الحصاد 

تأتين سنبلة خضراء

أهزوجة بدوية تصدح في حقول غناء

زهرة دوار شمس تحتضنها أنامل رقيقة

.تتمايل على أنغام نسمات الهواء

 

تأتين ساحرة مبجلة

تتمتمين بطلاسم أشورية

تفتحين بابل

.تخلدين هذياني في دواوين الشعراء

 

تأتين بين العين والحاجب

في أزقة شراييني الخلفية

شوقا ينخر أضلعي

يشعلني ويطفأني ثم يوقدني

.قبل تناثر ذرات المطر

 

تقتحمين فضاءاتي

تحطين في عشي

تورس هائم مل الطيران

المرساة تعلق في صدري

.عند شاطيء الخليج

 

نجاة الشافعي

٢٥-٤-٢٠٠٥ م