وَطَنُ الهَوى

أيها الهوى لا تَلُمْنِي إنْ أَسْكَرَنِي هَواه

هو الشهدُ المعتقُ يشدوُ عَذْبَاً شَذَاه

 

هو العِشْقُ الصادق لا أرى أحداً سِواه

هو الوطنُ الوادعُ تَعَمَدْتُ طِفلاً في رُباه

 

هو المطرُ الآتي في المواسمِ مُتألقاً مُنَاه

 يتنفسُ النورُ فجراً مُتيماً في حِمَاه

 

 يُحلقُ النسرُ حُرَاً سَائِحَاً في سَمَاه

يتدفقُ الهوى نهراً سلسبيلا من سَنَاه

 

يبذرُ القمحَ الأصفرَ سنابِلاً للحياة

نارُ الشوقِ تُسَعِّرُهَا تَراتِيلُ الشِفَاه

 

سِفْرٌ قديمٌ لا تَبُوحُ بأسرارهِ الأفوَاه

وَصْلُهُ دَائِي أَمِنْ الدَاءِ يَنْسَّلُ دَوَاء

 

أتيتكَ عَلَنِّي أحْظَى بجذوةِ عشقٍ في غارِ حِراء

رأيتك جبلاً راسِخَاً طَودَاً شامِخَاً تنبعُ رطَباً وماء 

 

وجدتُك صيباً يصيبُ القلبَ فيسمو الصفاء

تسكرُنا أقداحَ التوقِ فنثملُ نصعدُ للسماء

 

 

أيها الشوق لا تلمني إن ثَمِلتُ في هواه

هو البدء لا ينتهي ولا يفنى عطاه

كتابة ورسم 

نجاة الشافعي

7/6/2015

غدر

 

مَنْ لِهذَا القلبُ إن خَفقَا أصَابَهُ سَهمُ الغدرِ فانفَتَقَا

 

يهفو الفؤادُ لِوَصْلِهِ حينَ تُمْطِرُهُ سُحُبُ الشوقِ وَدَقَا

 

يفيضُ بلوعةٍ وتَتَقِدُ جذوةُ العشقِ إن طيفَهُ انْبَثَقَا

 

أكُلَّمَا ثَمِلتُ بِعشقِهِ صَحَوتُ مُمَزقَ القلبِ بلا رِتِقَا

 

أخلاءٌ تحسَبَهُم لكنما الخيانةُ انعقدتْ في حَنَاجِرِهم نَسَقَا

 

ترفقي بي أيتها الأسحَارُ لا يهجع العليلُ يُسْكِرُهُ الأَرَقَا

 

ضُمينِي إلى نَحرُكِ أَشُّمُ رِيحُه فقد بِتُّ وَلِهَاً فَرِقَا

والفجر ينتظر الحليب

هل سمعتم بالفجر؟

هل رأيتموه؟

هاهو يلوح بيديه

!قد تكون الأخيرة

 

تيه يثقب صدره

ثقب بحجم غابة

غابة بلون غريق

فقدٌ بطعم رطب حامض

قهوة باردة برحيق الانتظار

.فقط أربعون عاما

 

يرقص والنخيل

وجزر تغني في حنجرة الخليج

يداعب الرمل الدافئ

أهداب الأمواج الطويلة

يقص السعف الأخضر

أربعة أجنحة وذيل

طائرة ورقيه يصعدها

سفينة تقوده

.إلى الضلع الآخر

 

والفجر ينتظر حليباً

يأتيه من جنة عدن

لذلك يتسمر عند النافذة

يرتدي الثوب الأبيض

غيوم صفراء فاقعة

تبشره بحليب زلال كماء زمزم

.يرويه قريبا

يطوف سبعاً

يسعى سبعاً

غيوم صفراء فاقعة

تبشره بحليب زلال كماء زمزم

.يرويه قريبا


حين يتسكع الفجر

في دهاليز المساء

حيث لا أحد يراه

تسيل دموعه أنهاراً مالحة

تسقي البحر

المرفأ

.وحتى حجارة الرصيف


يمشط شعرها الأبيض

يكحل عنفوان عينيها

يتوسد تفاحة خدها

تنقبض/ تنبسط

تقسو/ تحنو

تزهر/ تذبل

جزرٌ يأتيه

من ضرع نخلة

.ثم مَّدٌ بدون حليب


:حدثته بقرة عمياء تفترش سريره

أمك

ثم أمك

ثم أمك

دعها تنام

دعها تنام

دعها تنام

قد يأتيك لبن

وعسل

وخمر

.حينما تفيق

بريئة حتى الخطيئة

نَـسَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيـتُ.

شغف عينيها.. وردة قلبها.. زيت غوايتها..  

تضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاريس العشق

مشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتعلة

في المرايـــــــــــــــــــــــــــــــــا فانطفأت.

 

سَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقـطتُ أعـرجـاً

من بـاب الـسمـــــــــاء من مــــــــــاء غيمة من رئة جبل من ريش عنقــــــــــــاء 

من شجرة تفاح من غصن زيتون من ورقة توت من زهرة نرجس من ضلع نخلة.

 

بريئـــــــــــــــــة حتى الخطيئـــــــــــــــــة 

يدي القاحلة من نبع يـديهــــــــــــــــــــــــا

رأسي من لذة  جنونهـــــــــــــــــــــــــــــا 

كَـلَيلٍ مـدجـج بعتمة الانتظــــــــــــــــــــار   

أو كَنَهَـمِ السكــارى من بحـر معتق بالسكر.

 

فتنة الشمس تذوب في زجـــــــــــاجة القدر

تسكن ذيل طـــــــــاووس يتوسد خدَّ الرمل     

يراقص النخل منتشيـــــــــــــــــــــــــــــــاً      

يعانق حوريـــــــــــــــــات الحقل السمراء 

يـظله قـــــــــــــــــــــــــــمر بقامته النحيلة.

 

سيأتي مطرهـــــــــــا مع ريح القوافــــي

مع رفيف أجنحة الفراشــــــــــــــــــــات

وعد شفيف لاح في عنق قميصهـــــــــــا

عناقيــــــــــــــــــــــــــــــــــد شوق تدلت

قطفتهـــــــــــــــــــا قبل أن ينعقد الضوء

أرتشــــــــــــــــــــــــــــف ذاكرة الجسد 

حرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااارة العطر

شـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــهقة الحرير.

أجمل باذنجانة زرقاء غريقة في العالم

إلى كل العراقيات والعراقيين في ذكرى الاحتلال الرابعة،

إلى كل من تسري في عروقها ويسرى في عروقه هوى العراق وعشق كل ذرة من ترابه الطاهر.

قبِض عليه قبل ثوان قليلة من تفجيره للقنبلة في المكتب البيضاوي بالمبنى الرئاسي. ذو الشعر الأشقر القصير والعيون الزرقاء البراقة يحل كل عقدة ولا يصل متأخرا أبداً. ينشد حبل “الأكشن” الرفيع حول عنق المشاهد. ينخلع قلبه من محجره. تنقسم الشاشة مرة أخرى إلى أربعة إطارات. يدور في كل منها حدث يتزامن مع الأخرى. سيارة مصفحة تحت حراسة مشددة تنقله للسجن. طائرة عسكرية خاصة تقل القيصر إلى خارج العاصمة. غرفة إدارة العمليات في حالة استنفار تام. باذنجانة زرقاء جميلة تفر إلى البحر.

مسلسل أربعة وعشرون ساعة تدور طاحونته في رأسها المتعب. تغفو قليلا ثم تستيقظ. يشتد الألم في أسفل ظهرها. تدير زر الكمادة الكهربائية لتسخن أكثر. تحاول أن تنام. تتقلب ذات اليمين وذات الشمال. تتصبب عرقاً. تنزلق إلى الأسفل. تهوي. تغرق. تغزو جوفها المياه المالحة. تتقاذفها الأمواج. يلفظها البحر. تتمدد على الشاطئ بدون حراك. تتفحصها عينان فضوليتان. ترتدي نظارات سميكة سوداء. تعتمر قبعة من القش. ربما تحسبها ماردة انطلقت من قمقم أو عروس بحر أغواها القدر. تصبح بطلة روايتها القادمة: “أجمل باذنجانة زرقاء غريقة في العالم” . تترجم لكل اللغات. يكرمون الكاتبة ثم يحرقونها ويذرون رمادها في البحر.

تحب الباذنجان كثيرا لا بل تعشقه. تعده بطريقة شهية جدا. تستمتع بطهيه كما تتلذذ برائحته وطعمه الرائع. المتبل والمسقعة ومحشي الباذنجان وشيخ المحشي والدولمة والمقلوبة ومرقة الباذنجان والباذنجان بالصلصة البيضاء ومكدوس الباذنجان وطرشي الباذنجان والباذنجان على الطريقة اليونانية ومربى الباذنجان وسندويتشات الباذنجان المقلية كلها أطباقها المفضلة وضيوف مائدتها الدائمين. طالما تمنت لو كان لديها رأسمال كافٍ لتفتح مطعما يعد وجبات شعبية فقط بالباذنجان لكن ما باليد حيلة فزوجها قد وظف كل مدخراتهم في سوق الأسهم وخسرها. موردهم الوحيد الآن هو مرتبه الحكومي الذي ينقرض عند منتصف كل شهر. تواجهها في المنزل مشكلة معقدة. أبنها الأصغر يكره الباذنجان بينما الأكبر يعشقه مثلها ويكرر دائماً: “ماما أموت في الباذنجان.” الأصغر يأكله على مضض. ضبطته ذات مرة يلتهم اللحم المفروم ويلقي بالباذنجان. الأكبر يصر على أن تعد لهم الباذنجان على الغذاء أو العشاء أما الأصغر فيبكي بحرقة ويصرخ محتجا: “لا! لا! أبغى بتاتس ودزاز” –يقصد بطاطس ودجاج.

في غرفة التحقيق كبلوه بالسلاسل. مرت أربع وعشرين ساعة متواصلة. حرموه من الطعام والشراب. لم يذق طعم الراحة. هريكليز ينهال عليه بالضرب المبرح. يتوقف لبرهة. يلتقط أنفاسه. ينظر إليه شزرا. المترجم يتحدث بعربية ركيكة:”ستندم على ما فألته مستر سبارتوكوس”. يتواصل السب والضرب. يريه شريط فيديو حيث يجلس أولاده الأربعة على الأرض مقيدي الأيدي. يحيط بهم جند مدججين بالأسلحة. يعلو صوت نحيبهم. “من أرسلك؟ من مأك؟ أين سنأتم الكنابل؟ أين الباكي؟ تكلم أم نكتلهم أمام أينك واهد واهد!” ثم يرقق أسلوبه ويغريه بنعومة: “تكلم أشان تسير شاهد ولن نكتلك راه نأتيك حك لجوء سياسي وجنسية ونجيب ولاد وزوجة.” أخيرا ينهار: “لا! لا! أتوسل إليكم لا تقتلوهم! ليس لهم أي ذنب! أنهم مجرد أطفال!” واصل اعترافاته الخطيرة. خرج هركليز من الغرفة المعتمة. تنفس الصعداء. قهقه بصوت عالٍ: “الغبي لقد انطلت عليه الحيلة!” حدث زميله ساخرا. “الفيلم مفبرك. أخرجه فرانكشتين، أفضل مخرجي أفلام الأكشين في هوليود.” سقطت الشبكة في قبضة العدالة الحديدية وسيقت الخفافيش زمراً لغرف الإعدام.

أحب أن أنعم بقيلولة قصيرة بعد الغذاء. يتسمر أطفالي حول التلفاز لمشاهدة الرسوم المتحركة في محطة سبيستوون. أتسلل خلسة على أطراف أصابعي لغرفة النوم. أغلق الباب بالمفتاح. أغفو. مسلسل أربع وعشرون ساعة عالق في ذهني. أربعة مشاهد تطاردني. تستحوذ على مشاعري. هريكليز يقهقه بعد أن أنتصر على الشر. زوجي ينام على الأريكة في غرفة المكتب. الصالة حيث يشاهد أطفالي الأربعة التلفاز. باذنجانة زرقاء يغالبها النعاس. تتسارع دفة الأحداث. ينتهي مسلسل توم وجيري. يكتشفون غيابي. يندفعون إلى غرفة النوم. يطرقون الباب. يتزايد طرقهم شدة وإلحاحا. يواصلون الطرق. يركلون الباب بأقدامهم. يدفعونه بأيديهم وأجسادهم. يعلو عوائهم. أمقتهم. أكره نفسي. أسارع بالنهوض لأن الباب على وشك السقوط. حتماً سيستيقظ والدهم من قيلولته وسيوبخني كعادته.

قمت رغماً عن أنفي. سأقوم بتحفيظهم دروسهم وحل واجباتهم. كان أمر العشاء يقلقني أيضا. “يا ترى ماذا سأطعمهم؟” تذكرت لدي في الثلاجة كيلو باذنجان أسود لذلك سأعد لهم متبلا للعشاء فهو لا يستغرق وقتا طويلا وسأقلي بعض البطاطس إرضاء لابني الصغير. أما والدهم فسيتعشى في الخارج كعادته. يبقى أن أحممهم ثم أقرأ لهم قصتهم المفضلة غرايندايزر. حين ينامون سأستمتع بمشاهدة مسلسلي المفضل وحدي ثم أخلد للنوم.

19 مارس 2007 م

في الذكرى الرابعة لاحتلال العراق

ْبِلا عِيد

بريئة حتى الخطيئة

يدي من غصن الزيتون

كالليل من عتمته

ساعتي  من  نبضاتها

.أو السكارى من السكر

 

أليس يقف أمامي الحقل منتشياً     

يظللني القمر بقامته المائلة

ووراء ظهري

تختبئ الشمس حاسرة الرأس؟

 

جئت مبكرة جداً

تساقط جلد حذائي بين الأرجل

اتسخت  أهدابي بحمرة الخجل

نسيت شعري متقداً في المرآة

.فانطفأ

 

لم تصلني دعوة للعيد   

سوى قصيدة بعين واحده

قطفت الحفل

قبل أن يبدأ

.ففقدت العطر.

عيدٌ بلا مَلامِحْ

 

هل من عيد من جليد

نلهو به قليلاً

نتلبس البسمة حيناً

وننتزعها حيناً

ريثما يذوب شمع الشفاه؟

 

 

كأعيادٌ حميمةٌ

هدرها جنون الفقد

بترها البــحـر

ضفة مالحة للنساء

.وضفة مُرَّةٌ للغرباء

 

وأخرٌ يتبعها جدب

نفقت جيادها هجراً

وطأت أقدامها جمراً

.قبل أن تسير

 

بلا ملامح

أقبل عيدٌ مبسترٌ

معتقٌ على سقف كرم

يكابد نشوة تحدرت

.من أصلاب النخيل

 

نافرٌ ظله

أنغرز في حفرة

فقد ريقه

.فهجرته بلابل الإمتاع

 

تناثر ريشٌ غزيرٌ

من ذيل السماء

طائر الفينيق يحط

.يختال في صدره

 

غريقٌ سقط دلوه

عندما سقى الرعاة

سلبوا ألوانه فجرا

.فما عاد ينتظر لون الفرح

 

حين ضل طريقه

حامت روحها حول العش

ريح الشمال تشعل رأسها

.تبيت على شوكة

 

رماد عجنته يد الفوضى

أغصانه تنغمس في عروقها

مرارته تذوب في ماء عينيها

ما أكثر الأعياد

!وما أشقاها

 

هل كان ضيفا أثقلته جراحاتها

أم حلما بريئا بترته أصابع اللهو

قبل أن يستوي في المهد

!أم مزاجا سيئا جمح به القدر

 

أقرءوا كل ما مر من الأعياد

من منها صحيفته بالألوان

!يقطر حبرها بماء الزهر

 

لذا خيروا العيد القادم

بين أن يسير بدون ورقة توت

أو أن يغفو في حضن غيمة

فقد فرغ كيسه من الدهشة

!وسنفتقده حتى بعد أن يأتي

 

وارتدوا

هالته البيضاء

أو سره الأعظم

فليس للعيد

سوى عنق زجاجة

وللبهجة ألف مرآة

.وامرأة

 

25/10/2006

ثالث أيام عيد الفطر السعيد