قراءة في قصة انفجار للكاتب كاظم الخليفة

مِثلُ سجادةٍ أعجميةٍ فاخرة نُسجت بخيوطٍ حريرية دقيقة، تتمعنُ في نقوشها الآسرة، فتنثالُ الألوان في رحلة بصرية أخاذّة، تسحرك الصورة الكاملة، ثم تتوغل في تفاصيلها البالغة الحيوية، يتفجر الجمال من كل عقدة في السجادة، هكذا شعرتُ وأنا أقرأ القصة القصيرة "انفجار.." للكاتب كاظم الخليفة والتي تتصدر مجموعته القصصية: "مائل بخط الرقعة"، والحائزة على المركز الثاني في مسابقة نادي حائل الأدبي في عام ٢٠١٨م، وسوف أتطرق في هذه القراءة الإنطباعية إلى بعض الملامح التي أتضحت لي من قراءة قصة: انفجار 

حَبْكُ النهاية بالبداية

من ذروة الحدث كانت بداية النص في حبكة شيقة حيث تبدأ القصة بعبارة "انتهى كل شيء الآن..، وخبا بريق ألسنة اللهب والدخان المنبعث من غرفة الاحتراق الداخلي لمولد الكهرباء بعد انفجارها" يلي ذلك وصف السارد بصوت المتكلم المشارك لمشهد الدمار الذي حل بسبب هذه الكارثة التي طالت الحجر والبشر، فيبّين:" نخوض في وحل ذلك المزيج الرمادي من مياه إطفاء الحريق الممتزج ب "الرغوة" وبعض الزيوت المتسربة" ثم يعرج على الضرر البشري: "وعلى جانب المصطبة بقايا ملابس ممزقة ومنكمشة بفعل الحريق، وكذلك بعض الأحذية المشوّهة” تخلل المشهد لحظة تواصل إنساني بين السارد وعبد الله وهو مشرف النوبة في مشهد مؤثر: "يشد عبدالله على يدي ويضغط عليها بوتيرة متسارعة وهو يبعدني عن مكان الإسعاف. لكنني ألمح في وجهه مسحة إشفاق 

نَسجُ المكان والزمان

يعود الراوي إلى لحظة سماعه بالخبر باستخدام تقنية الفلاش باك، واستيقاظه في الصباح الباكر، وتتضح لنا من هذا المشهد أن الشخصية الرئيسية في القصة هو "مشرف الصيانة" والذي يُطلَب منه كتابة تقرير عن الحادثة المؤسفة. وبعد أن وضّح السارد الزمان والذي تحدد بحادثة الانفجار التي سبقتْ الاتصال بمشرف الصيانة في الفجر، حددّ لنا أيضاً المكان وهو يتكون من معامل نفطية ومجمّع سكني وسط الصحراء، والمعمل يصفه الراوي بأنه يشكل "بيئة صناعية" ذاماًّ إياها بأنها: "تذيب أي معنى روحي وتطلع ميتافيزيقي، تنطبع روحك بما يجاورها في البيئة.. مادية صارمة وجفاف كتصحر الأراضي المحيطة بالمعامل". ثم يصف بشاعة هذه المعامل التي تسلب الروح بأنها "تنتصب مثل عفاريت ألف ليلة وليلة. غربة أخرى وتلاشي حس الحياة"، والمكان الثالث المتحرك هو الطريق أو الشريان الذي يربط بين المجمع السكني والمعامل حيث ينتقل مشرف الصيانة بالسيارة من المجمع السكني إلى المعمل البعيد واصفاً الطريق بسخرية مُرّة: "الجمل هو الشيء الوحيد الذي ينظر إليك هنا.." ويذكر أن المعمل المقصود هو معمل نفطي واصفاً ذلك "وعندما تفقد إحساسك بالمكان وتشعر بثبات الزمان، يُرجعك من إغماءاتك مرأي بعض المنشآت البترولية المتباعدة

اللبّ

ومن القشرة نَلِجُ للثمرة أو لبّ القصة حين تتداعى أفكار مشرف الصيانة من كتابة التقرير عن كارثة انفجار المعمل إلى وظيفة اللغة في حالات مثل هذه حيث تتقلص اللغة عن التعبير عن الحدث الذي يحمل بشاعة الحدوث من جهة ومن جهة أخرى بشاعة التعبير عنه بلغة آلية باردة فيذكر التالي: "تقتضي كتابة التقرير التقني أن يكون الاعتماد على مرويات الآلات وشهاداتها وليس البشر." وكأن اللغة استحالت أيضاً إلى مُعّدة من المعدات أو مكينة من المكائن، ليست اللغة فقط التي تصحرّت؛ وإنما الإنسان الذي ينتج هذه اللغة عندما يعيش في البيئة الصناعية التي تسحقه. يرسم السارد على لسان "مشرف الصيانة" التباين والفرق الجلي بين البيئة البحرية والزراعية واللتان تحملان طابعاً إنسانياً، والصناعية المتصحِرة حيث يتجرد الإنسان من الروح ويصبح جزء من الآلة الهائلة التي تحرك الاقتصاد، فمثلاً الشخصية المحورية في القصة نعرف وظيفته كمشرف الصيانة ولا نعرف له اسم، لأنه فقط رقم في سجل الشركة فيوضح الراوي ذلك ساخراً: في البحر أنسنوا المراكب، منحوها أسماء أحبائهم، كما هو تقليد قريتي في تسمية المزارع ونعوتها. ونحن هنا "مكننا" الإنسان فهو ١٢٣٤ يُعطى أمراً بالعمل على المعدة رقم… المدرب الأمريكي في معهد الشركة أفاض في وصف معدة وأجزائها، ثم قارنها بالحيوان. الحيوان أيضاً آلة مثل (الساعة تحكمها اللوالب والدواليب).. فقدنا إذاً شريكنا في الكوكب.. الحيوان؟! وفي نفس السياق يُذكَر أن الموظف قد تحول إلى رقم: "أليس الجسد هنا هو أحد الموارد ومن أصول الشركة الثابتة؟

يشركنا السارد في رؤيته للإنسان والوجود ويطرح مفارقة بين العقل المادي والعقل النظري: "علاقتنا بالمعامل شبيهة بارتباطنا بهذا الكون! تتّفق البشرية على الغاية من الجهد المبذول ومقابله في العمل وتختلف في معنى الوجود وغايته!" وفي سياق آخر يصف إحساس مشرف الصيانة وهو يربط جسده في المركبة بحزام الأمان: "هو إحساس مفعم بالتيهان وضياع بوصلة الوجود أن تكون مجرد رقم وظيفي في منظمة صناعية تعمل على مدار الساعة". لذلك تعكس القصة شعور بالاغتراب وعدم الانتماء في البيئة الصناعية القائمة في وسط الصحراء والتي تُشَيّء الإنسان فيصير برغي في آلة وأداة للإنتاج فتسحق بذلك مشاعره واحتياجاته وأحلامه

الاستشهادات

في نطاق القصة يتم الإحالة إلى بعض الاستشهادات، والتي أزعم أنها تدعم العمود الفقري للقصة وبنيتها السردية في موارد شعرتُ بأنها طبيعية وليست مقحمة لتضيف للقصة جنبة دلالية عميقة. أول الاستشهادات أبيات الشعر للشاعر المبدع وبطل المعلقة، الشاعر جاسم الصحيح، وبهذه الأبيات يستهّل القصة، وهذه الديباجة ليست من المألوف في عرف القصة القصيرة، وهي كالتالي

إذا انفردَتْ بِيَ الصحراءُ كالعــــــرَّافةِ الكهْلَهْ

وصار الدربُ ثعبانــاً بطول مســــافة الرحلَهْ

وحاولتُ الصلاةَ هناكَ لكنْ ضـــــاعَتِ القِبلَهْ

أصلِّي باتجاهِ النخــــــلِ حين تعـــنُّ لِي نخلَهْ. 

هذه الأبيات تأتي من قصيدة لجاسم الصحيح عن الأحساء ويلي الأبيات الأولى التالي

هِيَ الأحساءُ قِبلتِــــيَ-القديمةُ والهوى الدائــــمْ

…وليستْ بقعةً بَرَكَــــتْ على صدر المدى الجاثِـــمْ

وتتضح دلالة هذه الأبيات وارتباطها بالقصة عندما نبحر في النص، ونصل إلى نهايته حيث الراوي يريد أن يوصل فكرة أنه في خضم رحلة الضياع والوجع في الصحراء والتي لا تدل على بيئة جغرافية فقط وإنما على كل ما هو متصحر من الحضارة الإنسانية بسبب الصناعة، هناك ما زال أمل وهو النخلة التي تربط الإنسان بالأرض وهي رمز للهوية والانتماء، هذه الصورة المضيئة مقابلة للصورة القاتمة للإنسان الذي يغدو برغي في آلة الإنتاج، والرقم الذي يدفع بعجلة الاقتصاد

في إحالة أخرى تمتزج التقريرية أو السحنة العلمية بوصفية عالية تفعلّ الحواس الخمسة ومداراتها؛ فلذلك لا تخلّ بتوازن النص ولا تشعر المتلقي بالملل أو فقد الاتزان، ومثال على مهارة الراوي في تشبيك التقريري بالساخر ليدل على استغلال الإنسان في منظومة الاقتصاد حيث يُنظَر له فقط كأداة للإنتاج أو حمار يُدِير الرحى: "كم أمقت جون بولتون ونظرية الإنتاج ومدرسته "الإدارة العملية"، هو من قاس نشاطك وساعات وجودك في منظومة العمل ويطالبك بمقدار معين من الجهد.. هل يقصد جهد ثلاثين حماراً في اليوم؟"  وفي إطار توضيحه لتحول الإنسان إلى آلة يذكر ساخراً "وبالمقابل "سارتر"، الفيلسوف الفرنسي، شطح بالفكرة بعيداً.. فكما ينقله مهندس السلامة الأمريكي ممازحاً: العامل خلف الآلة يشعر بخيالات ورؤى جنسية.. ليغفر له الله وليقف نصف ساعة أمام غرفة الاحتراق في ماكينة.. لن يتراءى له سوى الجحيم. ذلك كان ردنا حينها

النقطتان المتتابعتان (..)

مما لفت نظري كثرة استخدام الكاتب للنقطتين المتتابعتين ".." وهي ليست من علامات الترقيم الأساسية في اللغة العربية، بل صارت تستعمل حديثاً في الشعر والنثر، استخدمها الكاتب ليس فقط في عنوان النص بعد كلمة "انفجار.." بل أيضاً بعد العبارة الأولى في النص: "انتهى كل شيء الآن.." واُستخدِمت نفس هذه العلامة "الفارقة" في أكثر من مرة في داخل النص بشكل صار يميز هذا النص القصصي عن غيره من النصوص، وكأن النقطتين صارتا محوريتان في لحمة النص أو كأنها متوالية حسابية تعتمد على النقطتين، فعلاما ترمز ولماذا استخدمت؟ لاحظت إنها توضع في نقاط مفصلية في النص وليس جزافاً كشفرة مورس تدل القارئ الحاذق على منابع الألم والشجن والتمزق في ذات السارد أو في إشارة إلى أن هناك ما يتبع، وعلى سبيل المثال: "الظلام ما زال متمدّداً وجاثماً في الصحراء.." وفي مورد آخر "الصحراء تسر لنا بالاقتضاب في الحديث.." وفي: "أساطير يغيب عنها الحب.." و "الأسبوع الأول.."، "شيئاً فشيئاً تدير ظهر لسانك وتشيح بفمك عن أبجديتك.."، "تهرم لغتك ومن يهرم ننكسه في العمر".. ، "وإن شعرت أنها لا تكفي فزينها بلغة جسدك المتخشب.."، "وليقف نصف ساعة أمام غرفة الاحتراق في ماكينة.."، "كل فرد يؤدي دوراً محدداً ومرسوماً بعناية.."، "الرمل الأصفر يشعرك أنّك محتل.."، "في الأرض كما هو الفضاء.."، "المعدات التي تسرها منظومة آلية في التحكم..".  من وجهة نظري، هاتان النقطتان المتتابعتان قد تكونان صرختي وجع مكتومة تغص بها الحنجرة بحيث يتوقف الكاتب ليدع للقارئ مساحة من التفكير  

لغة الآلات

اللغة التي تستعمل في المعامل والآلات هي لغة مناوئة، لغة غريبة عن بيئتها، لغة تعلم الرضوخ ولغة الأرقام التي تُشَيّء الإنسان، فالمفردة متلازمة مثل متلازمة مرضيه، فيُذكَر في النص أن: "يس" مفردة تصبح متلازمة لفظية تبتر بها كل حوار.. وربطها بما تلاها فقال: نجحتُ في اختبار الترويض وأصبحت مفكاً آخر في صندوق معدات المعمل. إذاً، "يس" اللفظة الإنجًليزية المرادفة لكلمة "نعم" في العربية نجحت في ترويض الإنسان ليصبح جزءاً من الماكنة الكبيرة. وفي هذا السياق يوضح السارد جنسية مهندس السلامة الأمريكي المثقف الذي ينقل لهم ما يقوله سارتر المفكر الفرنسي. ويذكر جون بولتون الأمريكي ونظرية الإنتاج والإدارة العملية، وأخيراً ترقيم المعدة بأرقام إنجليزية

نهاية الحكاية

أخيراً، كتب مشرف الصيانة التقرير التقني والذي يصفه بوجع: "يكون الاعتماد على مرويات الآلات وشهاداتها وليس البشر باسترجاع ذاكرتها الإلكترونية والانشغال بفكّ شفراتها لفهم حقيقة وشايتها على أوضاع سبقت انفجار المكينة" ثم يسترسل في ذكر بعض النقاط التفصيلية في التقرير بطابع تهكمي لاذع، ويشير السارد إلى أن "بقية التقارير كانت باللون الأحمر وتشير إلى معلومات غير منظّمة وليست منطقية في تتابعها.. كانت لحظة الانفجار

 وفي الخاتمة تفاجئنا القصة بمأسوية لم تفصح عنها في بدايتها حيث تم ذكر فقط المصابين الذين ادخلوا للمستشفى، وقد تكون هيأت لذلك بشكل ما فالإصابات الخطيرة قد تؤدي للوفاة. ونفسه عبد الله مشرف التشغيل، والذي ذُكِر في بداية القصة يظهر من جديد وفي تواصل إنساني عاطفي يستخدم يديه كما في بداية القصة، فِعلٌ لا تستطيع الآلات والماكينات القيام به. يوضح المشهد مشرف الصيانة

"عند هذا الحد من تلخيص التقرير، كان مشرف التشغيل عبدالله يقرؤه من وراء ظهري وأنا جالس، وأشار بإصبعه المرتجف إلى فقرة (الانفتاح والإغلاق المتكرر لصمّام الوقود) ويضغط بيده الأخرى على كتفي: كان صديقك سلمان في الموقع بجوار الماكينة.. بحثنا عنه طوال الليل إلى الفجر ولم نجده. كان يرثيه ويواسيني لفقده

وهنا هبط الحزن واعتصر قلبي فتذكرت حدثاً مؤلماً في طفولتي، تذكرت ألم جيراننا والحي بأكمله، بل البلدة كلها حين فقدنا جارنا "عيد السيهاتي" "أبو أحمد" جيراننا الذين يسكنون في البيت المقابل لبيتنا، والذي أحترق وتفحم جسده تماماً عندما انفجرت الرفاينري مصفاة رأس تنورة وتيتم أطفاله وهم صغار ولم يبقى شيء لدفنه. وتذكرت زوج صديقتي من صفوى والذي قضى أيضا في حادث مشابه في انفجار المصفاة، وترملت صديقتي في ريعان شبابها. تذكرت الثمن عندما تخطأ الآلات أم من يُشغِلُها

أثر الفراشة

كيف تعرف أن النص القصصي جيد أو أن القاصّ قد أحرز في نصه قدراً من الجمال والابداع، أعتقد كقارئة أن ذلك يتضح بما تتركه القصة بعد قراءتها من أثر في نفس المتلقي فكراً وروحاً، وكأن النص قطعة حصى تلقيها في الماء فتشهد تموجات وكلما كانت الحصى أثقل كلما زادت التموجات وهذا أتضح في نص: انفجار.. الذي حاول تحريك الراكد من المشاعر والأفكار أو بالأحرى طرح تساؤلات فلسفية وجودية عن الآلة ودورها وتحكمها في حياة البشر، وكيف صارت تسيطر الآلة وتحل محلّ الإنسان، وتسبب له الدمار وكيف أثر ذلك في كيان الإنسان فصار يحسّ بالاغتراب وعدم الانتماء لبيئة تستغله وتُشَيّئه

النص القصصي "انفجار.." متلاحم في شكله وتفاصيله ورؤيته ويشير بأصابع الاتهام للحضارة والبيئة الصناعية، وسحق الاقتصاد للإنسان، والتعامل معه كبرغي في آلة، ولا يدفع الثمن لهذا الاستغلال سوى الإنسان كسلمان، صديق مشرف الصيانة. يتم الإفصاح عن اسم "سلمان" وليس صديقه مشرف الصيانة، فعندما مات سلمان في انفجار المعمل عادت له إنسانيته، تحول من رقم إلى إنسان فالآلات لا تموت

 

القاصّة: نجاة الشافعي

٢٦ /٣/ ٢٠٢٤م

 

 

 

Islamophobia on Social Media

The media play a crucial role in manufacturing Islamophobia. Nathan Lean (2012) names such process as the “Islamophobia industry” that manufactures the fear of Muslims in the U.S. and Europe, especially by the Right movement groups, the pro-Israeli right and other influential politicians and journalists. Lean (2012) points out, “The Islamophobia industry is a growing enterprise, one that is knowledgeable about the devastating effects of fear on society and willing to produce and exploit it” (p.218).

Read More

الناجي الوحيد

النَاجِي الوحيد

في تمام السادسة صباحاً سارعتْ ذات القدمين الدافئتين لارتداء النِعَال العتيق الذي ورثته من والدتها. ذهبتْ إلى الخبّاز، ووقفتْ كالعادة تنتظر دورها في طابور تتدحرج فيه أحاديثٌ ألِفوها عن القصف الشرس والغارات المتواصلة والحصار الغادر، وعن انقطاع الكهرباء وندرة الماء، والغذاء، والدواء، وعرجّت الأحاديث المترعة بالشجن إلى تعداد أسماء العائلات التي حُصِدَت من السجل المدني في غضون ساعات. عادتْ للمنزل مثقلة بالهموم، فقط ثلاث أرغفة من الخبز سيقتسمونها حتى صباح اليوم التالي، ونزعتْ النعال لتعّد الفطور في المطبخ.

استيقظ في السادسة والنصف صباحاً ذا القدمين الباردتين، ولبس النعال مهرولاً نحو الباب. ذهبتْ لتوقظه فكان فراشه بارداً مثل قدميه. حسبته في الحمام فعادت للمطبخ. لم يجد سجائراً في السوق فعاد لاهثاً يحمل ربع بطيخة مفلوقة، ذات غلاف لامع أخضر، وجوف شهي أحمر، وترك النعال المـُـنهك عند الباب.

لبستاه قدمان سريعتي الإيقاع، وغاصتا فيه. كانتا قلقتين، فقد أوشكت باقة الانترنت على النفاد. فتحتا الباب وخرجتا لتبحثا عن طوقاً للتواصل مع من تبقى من أصدقائه؛ لكنهما عادتا حانقتان فلم تجدا ما تبحثان عنه؛ فلقد نفدت باقات الاتصال بالعالم الخارجي. خَلَعَ فردتي النعال المكتئب، وألقى به عند باب الحمام.

أمسكت بهما يد بريئة. تخيلتهما طائرتين نفاثتين تحلقان في السماء. دمدمت ضاحكة وهي تلعب فتحلقت حولها الأقدام الأخرى مبتهجة. فجأة انقلب عاليها سافلها، وأمطِروا بحجارة من سجيل. سقط النعال اليتيم تنزِف منه أحلامٌ بيضاء: أرغفة خبز وعلبة سجائر وباقة انترنت ولعبة طفل.

نجاة الشافعي

The artwork is mixed media on paper using water colors, wax and matches.

نجاة الشافعي

٢٥ أكتوبر ٢٠٢٣م

وَعْدٌ طائر


دقّ الجرس

لم أفتح له

تسلل من فوق السور

.ليدخل عشي

الكناريُّ الأصفر

صار طيري

بعد أن هاجر ابني

.وأودعني جناحيه

أطعِمُه الحَّب

أغذِّيُه بالحُّب

وكلما غنى لي

.يُدمِي قلبي

 

:ابني يهاتفني

ماما! هل كَبُر طَيرِي؟

!كَبُر مِثلُك

 ماما! هل نَسَانِي؟

لا! يغرد باكياً

في الصباح

.وحين يضع رأسه على الوسادة

نكثتُ بعهدي لابني

نسيتُ إغلاق الباب

خرج منه

ومع ذلك ظلّ واقفاً

.ينتظرني عند باب القفص

 

كتابة وتصوير: نجاة الشافعي

٣٠ ديسبمر ٢٠٢٣م

 

 

 

 

 

An analysis of Students’ Needs in an ESP Course

An increasing number of Saudi universities implement English for specific purposes (ESP) programs for students who will specialize in different fields such as, medicine, science, engineering and business. Universities rarely conduct studies of the actual needs of students to design or develop the ESP courses. Administrators and/or senior professors usually design ESP courses according to what they feel the students need and do not take into consideration perspectives of students, teachers and other stakeholders like potential employers.

Read More

لوحة

ولدتُ بالشجن

رفيقي الشفيف

شجني جمرات متقدة

مراثي العشق

وموانئ الانتظار

بدأت أطير منذ كنت طفلة

بأجنحة وبدونها

ما زلت أطير

.أتشبث كالأمل بريشة حمامة

في مدينة جديدة تتدثر برائحة البحر

التقينا بين صفحات كراسة عتيقة

ضمتنا بحور الشرق والغرب

تصبّ أنهار الألوان في المحبرة

.مِدادُ الحلم طين لا ينفد

اللوحة سنرسمها

سرنا المختوم

طريقة صوفية

تطوف بين عينيها

تلبي باسمها

.في حرم المدينة الأزلية

 

كلما ضربت بفرشاتك

وقعت امرأة في شباك لوحاتك

وأنتَ تستلّ حزنهن من دموعهن

ترسم بهجتهن بالأحمر

.تتوحد بهن في النور

 

لم أفهم لغة الحب يوماً

أو تباريح الغرام

لأني طفلة

تضحك وتلعب

تسير وتتعب

.طفولتها لا تنضب

 

سرّ العاشق

تبوح به رعشة اللون

في القلب يتوهج

الرسم والرسام

الفنان والدّهان

هل نحن من نَرْسُم أم نُرْسَم؟

لوحة في حلّة فستان باذخ

تتنفس بالألوان

تبرز مسامها كالسهام

تفصح عن دقائق تفاصيلها

بياضاً مترعاً بالبهجة

إياك ثم إياك

.أن ترسم امرأة بالرصاص

 

المرأةُ سِفْرُ الوجود

والرجلُ امرأة أخرى

الألفة لاصق غير مرئي

المودة لا تشتعل ولا تخمد

.الحب لا تجده إلاّ عند الخابية

 

في نهاية كل طريق

نَصِلُ للبدايات الأولى

لا نعرف سوى طعم الكرز

وبلبلٌ يشدو في القلب

أثمَّ سيرٌ ومَسِير؟

وردة بأي اسم آخر”

“.ستكون رائحتها جميلة

كتابة ورسم

نجاة الشافعي

٢٥ نوفمبر ٢٠٢٣ م

الاقتباس من مسرحية روميو وجولييت لشكسبير 

 

 

السير يصنع الطريق

حور الممشى

السير يصنع الطريق

اليوم كان مختلفاً جداً. أثناء سيرنا ناجتنا الغيمات الكالحة السواد فأنصتنا لها. أخبرتنا عن الشجن الأزلي في العالم، الصغار الذين تسرق أحلامهم فيكبرون أيتام الأمهات والأمل، الشيوخ الذين يهرمون بدون أبناء، المنفيون عن الأوطان، المحرمون من الفرح، البيوت التي بدون سقوف، الأسوار العالية، وتفجرت الغيمات أسىً فسالت مدامعها. واصلنا سيرنا في الممشى، تحت المطر. عندما وصلنا إلى ٥٠٠ متر خاطبته بصوت ماطر:

- أشعر إني غريقة.

- المطر ذكركِ بالغرق؟ ليس غزيراً!

- منذ قرأت تغريبة القافر، شعرت بأني الغريقة نفسها، أضع رأسي في الماء لينطفئ الوجع ولا ينطفئ . حاولت بكافة الوسائل ولم تنجع، أصابني اليأس فرأسي دائماً ثقيلة كالجبل.

- لم أقرأها الرواية بعد. دورها قادم، لكن الوجع جزء من الحياة ربما يدفعنا لأن نكون حالمين نأمل في يوم جميل مثل هذا اليوم الماطر.

- بالمناسبة، هل أنتَ من أنصار الرواية أو القصة؟

- أحب القصص قصيرة أم طويلة. القصة القصيرة زاوية في شارع طويل، والرواية هي شارع طويل ببشره وبناياته وتفرعاته، بكافة تفاصيله الدقيقة..

- إذاً الممشى رواية.

- روايتنا نحن، نحن نكتب فصولها.

- كل شيء يمضي.. كل شيء يبقى..

ولكن قدرنا أن نمضي..

نشق طُرُقا،

طُرُقاً فوق الماء..

أيها السائر،

الطريق آثار خطواتك،

ولا شيء بعد..

أيها السائر ليس ثمة طريق..

السير يصنع الطريق..

- مؤثرة، من قالها؟

- الشاعر الأسباني ماتشادو الذي يشبه السياب في رقته وتوجعه وغربته.

- ومن لا يعرف السياب!

هل تأملت فيما يعني ماتشادو؟

- مؤثر! السير يصنع الطريق.

- الطريق ليس موجوداً قبل أن نسير أو بعد أن نسير.

-أعجبني ما قاله "طُرقاً فوق الماء"

- سيرًا تشّق الطرق..

وحين تنظر للوراء..

يتراءى الطريق..

الذي لن تعود لتسيره مطلقًا..

أيها السائر

ليس ثمة طريق..

بل علامات على سطح الماء..

بل علامات على سطح الماء..

بل علامات على سطح الماء..

- أتدري الطريق لن يكون موجوداً بعد أن نسير.

أتدري، لا أحب زوال الشمس!

- لكننا في العصر ستغرب الشمس لتظهر من جديد في اليوم التالي.

- أكره زوالها في منتصف النهار حين تختفي الظلال وكأنه لا يوجد عالم سوى صمت مطبق. لا ظلال أي لا حياة.

أجهشتُ بالبكاء فمد لي منديله المفعم برائحة الليمون. حاول أن يلطف الجو الذي تعكر:

- على فكرة، يعجبني عزيزتي ما تنسجيه من قصص.

- كيف تحبها وأنت تفكك أوصالها، وتقوضّ كل ما أبنيه إلى أشلاء.

- أدلك على طريق الخلاص. النقد لغةٌ لا يفهما الكل، لغة بها الكثير من الحب لهدم المألوف، وبناء الأجمل.

- إذاً، كان النقد فخاً سقطتُ فيه بملء إرادتي.

- إنما بوتقة ينصهر فيها الفحم ليخرج الماس.

أطرق ثم رفع رأسه:

- سؤال إن سمحتي. هل دعوتِ غيري للممشى؟

- لِمَ تسأل؟ الحقيقة ثقيلة. هل ستجيب إن سألتكَ نفس السؤال؟!

- نعم و لا. نحن مثل النصوص بعضها جلي كعين الشمس وبعضها مرمز ونصوص أخرى تتقاطع مع الأولى والثانية لكن نسعى لأن نقرأ الآخرين.

أيها أنت؟

أنا نص مفتوح على مصراعيه

لذت بالصمت أتحدث مع نفسي: يا ترى أي بحور جابها وأي شواطئ رست سفينته على أعتابها، كم حقائب سافر بها، وكم أحذية سارت معه وكم قميص نزعها عن جسده، كم كتب أهملها حتى كساها الغبار؟

قطع أفكاري :

- أرجو المعذرة.. أسأل لأعرف متى.. وأين.. وكيف أسير. ومتى أصل. إن شئتِ ألا تجيبي.

- سؤال واحد فقط في كل مرة. الآخرون ليسوا مثلك سقطوا في الامتحان.

- امتحان؟

- قراءة الشعر. من يتريض معي فليحسن قراءة الشعر قلباً وقالبًا.

ضربة بعد ضربة،

بيت شعر بعد بيت..

عندما لم يعد العصفور قادرًا على التغريد..

عندما أصبح الشاعر حاجًا..

عندما لم تعد تجدي صلواتنا..

أيها السائر ليس ثمة طريق..

السير يصنع الطريق..

ضربة بعد ضربة،

بيت شعر بعد بيت…

- هذا ماتشادو؟

- هو وأنا الطريق.

نص ورسم

نجاة الشافعي

اكتوبر ٢٠٢٣م